واقع المياه في الوطن العربي
تعتبر الموارد المائية من أهم مقومات التنمية في الوطن العربي وأكثرها حرجاً بسبب محدوديتها حيث أن هناك 13 بلداً عربياً تقع ضمن البلدان الافقر مائيا في العالم. وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية. ويوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993 أن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطـن العربي سيصل إلى 667 مترا مكعبا في سنة 2025 بعدما كان 3430 مترا مكعبا في سنة 1960، أي بانخفاض بنسبة 80%. أما معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة، إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب. وتحصل الزراعة المروية على النصيب الأكبر من موارد المياه في العالم العربي، حيث تستحوذ في المتوسط على 88 %، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1 % للقطاع الصناعي(3).
ولما كان الواقـع المائي صعباً في الوطن العربي حيث لا يتجاوز نصيبه من الإجمالي العالمي للأمطار 1.5% في المتوسط بينما تتعدى مساحته 10% من إجمالي يابسة العالم، فان الواقع في المشرق العربي يبدو أكثر تعقيداً، إذ لا يتعدى نصيبه 0.2 % من مجمل المياه المتاحة في العالم العربي، في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك بشكل كبير. فخلال الفترة 1980-1990 تضاعف الطلـب على المياه لأغراض الزراعة في دول مجلس التعاون ثماني مرات، رغبة منها في تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة لبعض المواد الغذائية، كما ازداد الاستهلاك المنزلي بمقدار ثلاثة أمثاله، خلال نفس الفترة، بسبب تحسن مستوى المعيشة. وأهمية موضوع المياه محلياً وإقليمياً، تكمن في الواقع في صـلاته المباشرة بجهود التنمية بوجه عام، وبصلاته الوثيقة بالقطاع الزراعي بوجه خاص. والواقع ان سياسات الدعم الحكومي للقطاع الزراعي تعتبر أحد ابرز الأسباب المؤدية الى مشاكل استنزاف الميـاه الجوفية. إلا ان تلك الصلات لا تتوقف عند ذلك الحد، بل تمتد لتطال موضوعات عدة، ربما انطوى كل منها على تحد، كالبيئة والموارد الطبيعية وحتى عجز الميزانية العامة للدولة(3).
ومن ذلك يتضح ان على الدول العربية ان تعطي موضوع تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها الأولوية القصوى عند وضـع إستراتيجيتها الأمنيـة، ويجب أن يكون موضوع «الأمن المائي» على رأس قائمة الأولويات، وذلك بسبب قلة الموارد المائية التقليدية، مما يستدعي العمل الجاد على المحافظة على هذه الموارد ومحاولة تنميتـها وكذلك إيجاد موارد مائية جديدة. وخصوصاً ان معظم منابع الأنهار بيد دول غير عربية مما لا يعطيـها صفة المورد الآمن، كما ان المياه الجوفية، في اغلب الدول العربية، محدودة ومعظمها غيـر متجدد لعدم توفر موارد طبيعية متجددة كالأمطار تقوم على تغذية هذه المكامن وتزيد من مواردها. لذلك يجب أن ينصب اهتمام القائمين على إدارة الموارد المائية على المحافظة على موارد المياه الجوفية وزيادة كمياتها، بل وتحسين نوعيتها واعتبارها مخزونا استراتيجيا في مكامن آمنة. ويمكن تلخيص البدائل المطروحة لتجاوز الفجوة المائية الحالية ما بين العرض والطلب (الموارد المائية المتاحة والاحتياجات الفعلية للاستهلاك) في المنطقة العربية فيما يلي:
1- ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة.
2- تنمية الموارد المائية المتاحة.
3- إضافة موارد مائية جديدة.
فبالنسبة الى ترشيد الاستهلاك هناك عدة أساليب يمكن إتباعها مثل: رفع كفاءة وصيانة وتطوير شبكات نقل وتوزيع المياه، تطوير نظم الري، رفع كفاءة الري الحقلي، تغيير التركيب المحصولي وكذلك استنباط سلالات وأصناف جديدة من المحاصيل تستهلك كميات اقل من المياه، وتتحمل درجات أعلى من الملوحة.
أما بالنسبة إلى تنمية الموارد المائية المتاحة ، فهناك عدة جوانب يجب الاهتمام بها مثل: مشروعات السدود والخزانات وتقليل المفقود من المياه عن طريق البخر من أسطح الخزانات ومجاري المياه وكذلك التسريب من شبكات نقل المياه.
أما بخصوص إضافة موارد مائية جديدة، فيمكن تحقيقه من خلال اولاً: إضافة موارد مائية تقليديـة مثل المياه السطحية والمياه الجوفية، مثل نقل المياه من البلدان الغنية إلى الفقيرة أو من مصبات ألانهار وكذلك إجراء دراسات واستكشافات لفترات طويلة لإيجاد خزانات مياه جوفية جديـدة. ثانياً: إضافة موارد مائية غير تقليدية مثل استغلال مياه الصرف الصحي ومياه التحلية. ولعل هذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي يجب على الدول الفقيرة بالموارد المائية الطبيعية، ومنها دول الخليج العربية، الاهتمام بها والتركيز عليها كمصدر أساسي ومتجدد للميـاه. فمياه الصرف الزراعي او الصحي، يمكن معالجتها بتقنيات حديثة وإعادة استخدامها في ري الأراضي الزراعية وفي الصناعة بدلاً من تصريفها دون معالجة الى المسطحات المائية مما يتسبب في مشاكل بيئية خطيرة تؤدي إلى هدر مصدر مهم من مصادر الثروة المائية. ولعل تزايد اهتمام الدول الغنية بالموارد المائية، مثل الدول الأوروبية وأميركا، والمتمثل في المبـالغ الطائلة التي تنفق سنويـاً بهدف تحسين تقنيات معالجة هذه المياه وإعادة استخدامها لهو الدليل القاطع على أهمية هذا المورد وعلى ضرورة اهتمام الدول الفقيرة به والعمل على توفيره كمصدر إضافي للموارد المائية
ساحة النقاش